فصل: تفسير الآية رقم (257):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة بلاغية:

قال ابن عاشور:
والاستمساك بالعروة الوثقى تمثيلي، شبهت هيأة المؤمن في ثباته على الإيمان بهيأة من أمسك بعروة وثقى من حَبل وهو راكب على صَعب أو في سفينة في هَول البحر، وهي هيأة معقولة شبهت بهيأة محسوسة، ولذلك قال في الكشاف وهذا تمثيل للمعلوم بالنظَر، بالمشاهَد وقد أفصح عنه في تفسير سورة لقمان إذ قال مثلت حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه، فالمعنى أنّ المؤمن ثابت اليقين سالم من اضطراب القلب في الدنيا وهو ناج من مَهاوي السقوط في الآخرة كحال من تمسك بعروة حبل متين لا ينفصم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (257):

قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما قرر ذلك وأرشد السياق إلى شيء اقتضت البلاغة طيه إرشادًا إلى البعد منه والهرب عنه لبشاعته وسوء مغبته وهو ومن يؤمن بالطاغوت ويكفر بالله فلا يتمسك له والله يهويه إلى الجحيم، كأنه قيل: فمن يخلص النفس من ظلمات الهوى والشهوة ووساوس الشيطان؟ فقال مستأنفًا: {الله} أي بما له من العظمة والأسماء الحسنى {ولي الذين آمنوا} أي يتولى مصالحهم، ولذلك بين ولايته بقوله: {يخرجهم من الظلمات} أي المعنوية جمع ظلمة وهو ما يطمس الباديات حسًا أو معنى، وجمعها لأن طرق الضلال كثيرة فإن الكفر أنواع {إلى النور} أي المعنوي وهو ما يظهر الباديات حسًا أو معنىً- قاله الحرالي، ووحده لأن الصراط المستقيم واحد {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] ومن المحامل الحسنة أن يشار بالجمع إلى ما ينشأ من الجهل عن المشاعر التي أخبر بالختم عليها، فصار البصر عريًا عن الاعتبار، والسمع خاليًا عن الفهم والاستبصار، والقلب معرضًا عن التدبر والافتكار، وبالوحدة في النور إلى صلاح القلب فإنه كفيل بجلب كل سار ودفع كل ضار، والنور الذي هو العقل والفطرة الأولى ذو جهة واحدة وهي القوم، والظلمة الناشئة عن النفس ذات جهات هي في غاية الاختلاف.
ولما ذكر عبّاده الخلص ذكر عُبّاد الشهوات فقال: {والذين كفروا} أي ستروا ما دلت عليه أدلة العقول أولًا والنقول ثانيًا بشهوات النفوس {أولياؤهم الطاغوت} من شهواتهم وما أدت إليه من اتباع كل ما أطغى من الشياطين والعكوف على الأصنام وغير ذلك، ثم بين استيلاءهم عليهم بقوله: {يخرجونهم} وإسناده إلى ضمير الجمع يؤيد أن جمع الظلمات لكثرة أنواع الكفر {من النور} أي الفطرى {إلى الظلمات} قال الحرالي: وفيه بيان استواء جميع الخلق في حقيقة النور الأول إلى الروح المجندة إلى الفطرة المستوية «كل مولود يولد على الفطرة» انتهى.
ولما ذكر استيلاء الشهوات عليهم الداعي إليها الطيش والخفة الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان بين أن أجزاءهم من جنس مرتكبهم فقال: {أولئك} أي الحالون في محل البعد والبغض {أصحاب النار} قال الحرالي: الذين اتبعوها من حيث لم يشعروا من حيث إن الصاحب من اتبع مصحوبه- انتهى.
ولما علم من ذكر الصحبة دوامهم فيها صرح به تأكيدًا بقوله مبينًا اختصاصهم بها: {هم} أي خاصة {فيها خالدون} إلى ما لا آخر له.
قال الحرالي: وجعل الخلود وصفًا لهم إشعارًا بأنهم فيها وهم في دنياهم- انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقع قوله: {الله ولي الذين آمنوا} الآية موقع التعليل لقوله: {لا انفصام لها} [البقرة: 256] لأنّ الذين كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله قد تولّوا الله فصار وليّهم، فهو يقدّر لهم ما فيه نفعهم وهو ذبّ الشبهات عنهم، فبذلك يستمر تمسّكهم بالعروة الوثقى ويأمنون انفصامها، أي فإذا اختار أحد أن يكون مسلمًا فإنّ الله يزيده هدى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الولى} فعيل بمعنى فاعل من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو وال وولي، وأصله من الولي الذي هو القرب، قال الهذلي:
وعدت عواد دون وليك تشغب

ومنه يقال: داري تلى دارها، أي تقرب منها، ومنه يقال: للمحب المعاون: ولي لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي، لأنه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي ومنه المولى ومن ثم قالوا في خلاف الولاية: العداوة من عدا الشيء إذا جاوزه، فلأجل هذا كانت الولاية خلاف العداوة. اهـ.
وقال الفخر:
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ألطاف الله تعالى في حق المؤمن فيما يتعلق بالدين أكثر من ألطافه في حق الكافر، بأن قالوا: الآية دلت على أنه تعالى ولي الذين آمنوا على التعيين ومعلوم أن الولي للشيء هو المتولي لما يكون سببًا لصلاح الإنسان واستقامة أمره في الغرض المطلوب ولأجله قال تعالى: {يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاءهُ إِلاَّ المتقون} [الأنفال: 34] فجعل القيم بعمارة المسجد وليًا له ونفى في الكفار أن يكونوا أولياءه، فلما كان معنى الولي المتكفل بالمصالح، ثم إنه تعالى جعل نفسه وليًا للمؤمنين على التخصيص، علمنا أنه تعالى تكفل بمصالحهم فوق ما تكفل بمصالح الكفار، وعند المعتزلة أنه تعالى سوى بين الكفار والمؤمنين في الهداية والتوفيق والألطاف، فكانت هذه الآية مبطلة لقولهم، قالت المعتزلة: هذا التخصيص محمول على أحد وجوه:
الأول: أن هذا محمول على زيادة الألطاف، كما ذكره في قوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] وتقريره من حيث العقل أن الخير والطاعة يدعو بعضه إلى بعض، وذلك لأن المؤمن إذا حضر مجلسًا يجري فيه الوعظ، فإنه يلحق قلبه خشوع وخضوع وانكسار، ويكون حاله مفارقًا لحال من قسا قلبه بالكفر والمعاصي، وذلك يدل على أنه يصح في المؤمن من الألطاف ما لا يصح في غيره، فكان تخصيص المؤمنين بأنه تعالى وليهم محمولًا على ذلك.
والوجه الثاني: أنه تعالى يثيبهم في الآخرة، ويخصهم بالنعيم المقيم والإكرام العظيم فكان التخصيص محمولًا عليه.
والوجه الثالث: وهو أنه تعالى وإن كان وليًا للكل بمعنى كونه متكفلًا بمصالح الكل على السوية، إلا أن المنتفع بتلك الولاية هو المؤمن، فصح تخصيصه بهذه الآية، كما في قوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
الوجه الرابع: أنه تعالى ولي المؤمنين، بمعنى: أنه يحبهم، والمراد أنه يحب تعظيمهم.
أجاب الأصحاب عن الأول بأن زيادة الألطاف متى أمكنت وجبت عندكم، ولا يكون لله تعالى في حق المؤمن إلا أداء الواجب، وهذا المعنى بتمامه حاصل في حق الكافر، بل المؤمن فعل ما لأجله استوجب من الله ذلك المزيد من اللطف.
أما السؤال الثاني: وهو أنه تعالى يثيبه في الآخرة فهو أيضًا بعيد، لأن ذلك الثواب واجب على الله تعالى، فولي المؤمن هو الذي جعله مستحقًا على الله ذلك الثواب، فيكون وليه هو نفسه ولا يكون الله هو وليًا له.
وأما السؤال الثالث: وهو أن المنتفع بولاية الله هو المؤمن، فنقول: هذا الأمر الذي امتاز به المؤمن عن الكافر في باب الولاية صدر من العبد لا من الله تعالى، فكان ولي العبد على هذا القول هو العبد نفسه لا غير.
وأما السؤال الرابع: وهو أن الولاية هاهنا معناها المحبة والجواب: أن المحبة معناها إعطاء الثواب، وذلك هو السؤال الثاني، وقد أجبنا عنه. اهـ.

.قال أبو حيان:

الإخراج هنا إن كان حقيقة فيكون مختصًا بمن كان كافرًا ثم آمن وإن كان مجازًا فهو مجاز عن منع الله إياهم من دخولهم في الظلمات قال الحسن معنى يخرجهم يمنعهم وإن لم يدخلوا والمعنى أنه لو خلا عن توفيق الله لوقع في الظلمات فصار توفيقه سببًا لدفع تلك الظلمة قالوا ومثل هذه الاستعارة شائع سائغ في كلامهم كما قال طفيل الغنوي:
فإن تكنِ الأيام أحسن مرة ** إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب

قال الواقدي كل شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنه أراد به الكفر والإيمان غير التي في الأنعام: {وهو وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} فإنه أراد به الليل والنهار.
وقال الواسطي يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها كالرضا والصدق والتوكل والمعرفة والمحبة.
وقال أبو عثمان يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصلة والإلفة.
وقال الزمخشري آمنوا أرادوا أن يؤمنوا تلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم لها من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور}، يعني من الكفر إلى الإيمان.
واللفظ لفظ المستقبل والمراد به الماضي، يعني أخرجهم.
ويقال: ثبتهم على الاستقامة كما أخرجهم من الظلمات.
ويقال: يخرجهم من الظلمات، أي من ظلمة الدنيا ومن ظلمة القبر ومن ظلمة الصراط إلى الجنة. اهـ.

.قال الفخر:

أجمع المفسرون على أن المراد هاهنا من الظلمات والنور: الكفر والإيمان فتكون الآية صريحة في أن الله تعالى هو الذي أخرج الإنسان من الكفر وأدخله في الإيمان، فيلزم أن يكون الإيمان بخلق الله، لأنه لو حصل بخلق العبد لكان هو الذي أخرج نفسه من الكفر إلى الإيمان، وذلك يناقض صريح الآية.
أجابت المعتزلة عنه من وجهين الأول: أن الإخراج من الظلمات إلى النور محمول على نصب الدلائل، وإرسال الأنبياء، وإنزال الكتب، والترغيب في الإيمان بأبلغ الوجوه، والتحذير عن الكفر بأقصى الوجوه، وقال القاضي: قد نسب الله تعالى الإضلال إلى الصنم في قوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [إبراهيم: 36] لأجل أن الأصنام سبب بوجه ما لضالهم، فإن يضاف الإخراج من الظلمات إلى النور إلى الله تعالى مع قوة الأسباب التي فعلها بمن يؤمن كان أولى.
والوجه الثاني: أن يحمل الإخراج من الظلمات إلى النور على أنه تعالى يعدل بهم من النار إلى الجنة.
قال القاضي: هذا أدخل في الحقيقة، لأن ما يقع من ذلك في الآخرة يكون من فعله تعالى فكأنه فعله.
والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أن هذه الإضافة حقيقة في الفعل، مجاز في الحث والترغيب، والأصل حمل اللفظ على الحقيقة والثاني: أن هذه الترغيبات إن كانت مؤثرة في ترجيح الداعية صار الراجح واجبًا، والمرجوح ممتنعًا، وحينئذ يبطل قول المعتزلة وإن لم يكن لها أثر في الترجيح لم يصح تسميتها بالإخراج.
وأما السؤال الثاني: وهو حمل اللفظ على العدول بهم من النار إلى الجنة فهو أيضًا مدفوع من وجهين:
الأول: قال الواقدي: كل ما كان في القرآن {مِنَ الظلمات إِلَى النور} فإنه أراد به الكفر والإيمان، غير قوله تعالى في سورة الأنعام {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] فإنه يعني به الليل والنهار، وقال: وجعل الكفر ظلمة، لأنه كالظلمة في المنع من الإدراك، وجعل الإيمان نورًا لأنه كالسبب في حصول الإدراك.
والجواب الثاني: أن العدول بالمؤمن من النار إلى الجنة أمر واجب على الله تعالى عند المعتزلة فلا يجوز حمل اللفظ عليه. اهـ.